القهوة والشاي: مشروبا الثقافات المتنوعة
تُعدّ القهوة المشروب الأول شعبياً في أوروبا والغرب، حيث تتنوع طرق تحضيرها وأنواعها مثل الكابتشينو، الإسبريسو، الأميركانو، والنسكافيه. في المغرب، يتم تحضير قهوة تسمى “نص نص”، بينما في هولندا، هناك نوع يعرف بـ”قهوة الخطأ”، الذي يحتوي على نسبة حليب أكبر من القهوة. في المقابل، يعتبر الشاي المشروب الأول في الشرق، ويتنوع من بلد لآخر في أنماطه وطرق تحضيره، مما يعكس “سوسيولوجيا الشاي”، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافة المقاهي.
ويعتبر المقهى في الشرق المكان الاجتماعي والثقافي الأبرز، حيث يعدُّ نقطة التقاء للأفراد للتفاعل وتبادل الأحاديث، وهو ما جعل من المقاهي بيئة خصبة للحكايات والقصص الشعبية. فالمقهى في الغرب يُعدّ مكانًا للراحة خلال فترات العمل، بينما في بعض الدول مثل هولندا، لا تعتبر ثقافة الجلوس في المقاهي سائدة.
وفي بعض المدن العربية، مثل القاهرة وبغداد، اشتهرت المقاهي الأدبية التي كانت تجذب الأدباء والمثقفين، مثل مقهى نجيب محفوظ “الحرافيش” في القاهرة، ومقهى الشاعر حسين مردان “البرازيلية” في بغداد.
تعود أصول الشاي إلى الصين حيث يقال إن الرياح جلبت أوراقه إلى إبريق ماء مغلي صدفة، ثم أصبح جزءاً من تقاليد الضيافة العربية. في حين كانت القهوة حاضرة في طقوس الضيافة البدوية، حيث لا يُأخذ فنجان القهوة باليد اليسرى ويُهزّ الفنجان للإشارة إلى الاكتفاء.
وقد جمع الباحثان المغربيان عبد الأحد السبتي وعبد الرحمان الخصاصي في كتابهما “من الشاي إلى الأتاي، العادة والتاريخ” العديد من التفاصيل والطقوس والأساطير حول الشاي، ليقدما موسوعة شاملة عن هذا المشروب الذي لا يقتصر تأثيره على الدول العربية فقط بل يمتد إلى جميع أنحاء العالم.
الشاي في الثقافة المغربية

في المخيال المغربي، يقترن الشاي بالجماعة والأنس والضيافة، حيث يتميز هذا المشروب بقيم إنسانية وجوهرية عميقة. يُعتبر الشاي، أو كما يسمى في المغرب “الأتاي”، رمزاً لهوية الشعب المغربي. ويمثل طقسه أكثر من مجرد مشروب، فهو يجسد تجربة اجتماعية وثقافية فريدة.

يُعدّ “الأتاي” في المغرب مزيجاً من أعشاب متنوعة تُنكه بطريقة خاصة، وهو قريب من كلمة “تي” الإنجليزية، في عملية تحوير لغوي شائعة لدى المغاربة. فعادةً ما يُحوَّر المفرد من الكلمات الفرنسية والبرتغالية والإسبانية إلى أفعال أو جمعات، وهو ما يعكس تأثير الاستعمار اللغوي، كما أشار الكاتب الجزائري كاتب ياسين في قوله “اللغة الفرنسية هي غنيمة، أكتب بها، لأقول إلى الفرنسيين، بأنني لست فرنسياً”.
حول أنواع الأتاي، هناك أتاي بالنعناع، بالزعتر، بالشيبة، وأتاي خلاط من مجموعة أعشاب تُستخدم خاصة في البرد ومعالجة الإنفلونزا. يُسكب الأتاي من الإبريق من الأعلى إلى الأسفل في كؤوس ملوّنة غالباً، بهدف إحداث رغوة شبيهة بالقشدة على وجهه، وهي ميزة تلفت نظر الأجنبي والعربي على السواء.”

الشاي المغربي: تقاليد وطقوس اجتماعية
لا يستمتع المغاربة باللحظات السعيدة دون تناول الشاي المغربي الشهير، الذي يُطلق عليه في المغرب اسم “أتاي”. يتخيل المرء نفسه وهو يقضي ساعات طويلة مع الأصدقاء في تناول الشاي، والضحك، والمشاركة، والتواصل الاجتماعي، أو احتساء الشاي المغربي بالنعناع بعد حمام تقليدي مريح. إنها بلا شك طريقة رائعة للتخلص من الضغوط الحياتية.
إن حفل الشاي المغربي جزء لا يتجزأ من المجتمع والحياة المغربية، وهو يعكس الصداقة وكرم الضيافة والعمل الجماعي، ويؤدي دورًا أساسيًا في العلاقات الاجتماعية المغربية. تناول الشاي ليس مجرد عادة استهلاكية، بل هو تجربة ثقافية شاملة، تجسد القيم الإنسانية العميقة التي تعكس المجتمع المغربي.
تقاليد تقديم الشاي المغربي
جلسة أتاي تطوانية أصيلة

يعد صنع الشاي المغربي فنًا يجب الحفاظ عليه. وتقديم الشاي للضيوف في المغرب له تقليد خاص، حيث يُعتبر عادة ما يقوم بها الرجال للترحيب بالضيوف أو للاحتفال بالمناسبات الخاصة. يُصنع شاي النعناع المغربي ويُقدم مع طقم شاي مغربي تقليدي يحتوي على صينية فضية مزخرفة بثلاث عبوات من الشاي والنعناع والسكر. تُخلط هذه المكونات مع الماء الساخن لتحضير الشاي.
وفي تقليد تقديم الشاي، يُسكب من الإبريق من الأعلى إلى الأسفل في كؤوس ملوّنة، بهدف إحداث رغوة على سطح الشاي، وهي علامة على الاحترام والتقدير للضيف. يشتهر هذا التقليد بجعل الشاي مليئًا بالرغوة البيضاء التي تثير إعجاب الأجنبي والعربي على السواء.
مكونات الشاي المغربي التقليدي
الشاي الأخضر “البارود” هو العنصر الرئيسي في الشاي المغربي التقليدي. يأتي هذا الشاي من الصين، وتعتبر أوراقه الملفوفة بإحكام أقوى من أوراق الشاي المعتادة، لذا يُطلق عليه “البارود”. يتكون شاي النعناع المغربي من الشاي الأخضر المجفف (البارود)، أوراق النعناع الطازجة، مكعبات السكر، والماء المغلي.
إضافةً إلى طعمه المنعش والحلو، يُعدّ شاي النعناع المغربي رمزًا لتاريخ وتقاليد وثقافة المغرب. إنه تجربة اجتماعية، تُعزز من روح الصداقة، والاحترام، والعمل الجماعي، كما يتيح الفرصة للناس للالتقاء ومناقشة أحداث اليوم.